recent
New Articles

التقليد المقدس

Home

 <!-- Global site tag (gtag.js) - Google Analytics -->

<script async src="https://www.googletagmanager.com/gtag/js?id=G-5DQW5LQ2JZ"></script>
<script>
  window.dataLayer = window.dataLayer || [];
  function gtag(){dataLayer.push(arguments);}
  gtag('js', new Date());

  gtag('config', 'G-5DQW5LQ2JZ');
</script>
style="text-align: center;">يسرني أن أقدم لكم نبذة عن التقليد المقدس ، نبذة للبابا شنودة الثالث 

style="text-align: center;">التقليد المقدس 

مفهوم التقليد 


التقليد في الكنيسة هو التسليم الرسولي والتسليم الآبائي ، أي ما استلمناه من الأجيال السابقة مما لم يُكتب صراحة في الكتاب المقدس ، لكنه لا يختلف في شيء ولا يتناقض مع ما ورد في الكتاب المقدس . 

ولا أريد أن أقول أن التقليد هو مصدر للتعليم إلى جوار الكتاب المقدس ، إلى جوار الإنجيل ، إنما أقول أن التقليد في مجموعه هو الإنجيل غير المكتوب ، أي أنه التعليم الشفاهي الذي علًمه المسيح لتلاميذه وسلًموه للأجيال دون أن يكتبه في رسائل أو أناجيل . 

يُضاف إلى هذه ، المسائل التي قررت فيها الكنيسة تعليماً يتفق مع روح الإنجيل ، و أقرته المجامع المقدسة . 

والواضح أن الرسل القديسين لم يكتبوا كل ما قاله السيد المسيح ولا كل ما فعله ، إنما اختاروا من كل ذلك ما يثبت لاهوت المسيح وعمله الفدائي وتعليمه الروحي وتركوا الباقي . وقد اعترف يوحنا الرسول بقوله في " يو 21 : 25 " وأشياء أُخرى كثيرة -- صنعها يسوع ، إن كُتبت واحدة واحدة ، فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكُتب المكتوبة ، وكرر هذا المعنى تقريباً في " يو 20 : 30 ، 31 " التي قال فيها :" وآيات أُخرى كثيرة صنع يسوع قُدام تلاميذه لم تُكتب في هذا الكتاب . وأما هذه فقد كُتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله ، ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه .

إذاً ، لا تظنوا أن معجزات المسيح هي المعجزات التي وردت في الإنجيل فقط ، فيوجد آلاف آلاف من المعجزات لم تُكتب . وتأكيد على ذلك ما ورد في إنجيل الغروب من " لو 4 : 40 " " وعند غروب الشمس ، جميع الذين كان عندهم سقما بأمراض مُختلفة قدموهم إليه ، فوضع يديه على كل واحد منهم وشفاهم -- يضع يديه على كل واحد فيشفيهم -- طبعاً هذه المعجزات لم تُكتب في الأناجيل . 

ومعجزات الشفاء بالجملة لم تُذكر ، خذوا مثلاً " مت  4 : 23 " حيث يقول عن المسيح إنه كان : يكرز ببشارة الملكوت ، ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب " . وبالطبع معنى " يشفي كل مرض " تعني معجزات بالجملة ، لم تُذكر. 

كذلك ليس فقط ما يختص بالمعجزات ، إنما أيضاً ما يختص بأقوال المسيح نفسه لم تُذكر --- كان يكرز ببشارة الملكوت ولم يُقال ما الكلام الذي قاله في هذه الكرازة ، مثلاً في إنجيل " مر  1 : 21 " يقول إنه في كفر ناحوم :" دخل المجمع --- وصار يُعلم . فبهتوا من تعليمه لأنه كان يُعلمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة ". ولكن ما هو هذا التعليم الذي كان يُعلم به في كفر ناحوم ؟ نحن لا نعرف .

في معجزة الخمس خبزات والسمكتين كان المسيح يُعلم طول النهار حتى بدأ النهار يميل ، ولكن لم يُذكر في الإنجيل ما الكلام الذي قاله السيد المسيح في كل تلك الفترة --- لم يُذكر الإنجيل التعليم الذي قاله المسيح على شاطىء البحيرة أو على شاطىء النهر أو في إحدى السفن أو في الطرقات أو في البيوت --- كما حدث في قصة المفلوج ، كل الذي قيل " زحام شديد والمسيح داخل البيت يتكلم --- ولكن ما الكلام الذي قاله السيد المسيح لا لم يُقال " نحن لا نعلم . 

ثلاث سنوات فقط تقريباً كان يتكلم فيها السيد المسيح . ما حصيلة كلامه في الثلاث سنوات ؟ لا نعرف . نشكر الله أن متى سجل لنا العظة على الجبل ، وهي كمثال لكلام السيد المسيح . ويوحنا الإنجيلي الذي كتب إنجيله بعد سنة 90 ميلادية ، أي متأخراً كثيراً عن باق الأناجيل ، أورد مُعجزات للمسيح لم تُكتب في الأناجيل السابقة ، وأورد أيضاً أحاديث للمسيح لم ترد في الأناجيل السابقة . مثال لذلك حديث المسيح مع نيقوديموس في " يو 3 " ، حديثه مع السامرية في " يو 4 " حديثه مع اليهود " يو  5 - 8 " ، وفيها الكلام عن التناول وأشياء أخرى. 

أيضاً حديثه عن كونه الراعي الصالح في " يو 10 " ، حديثه مع التلاميذ يوم الخميس الكبير " يو 13 - 16 " صلاته الكبيرة في " يو 17 " -- كل هذه ليست مكتوبة في الأناجيل الأخرى . عندما كتب متى ومرقس ولوقا لم يذكروا تلك 

الأمور . 

هناك أشياء كثيرة وأمور مهمة إلى جوار المعجزات التي قالها يوحنا ولم ترد في أي إنجيل آخر ، مثل معجزة عُرس قانا الجليل في " يو 2 " لم ترد في أي إنجيل آخر ، وشفاء مريض بيت حسدا صاحب ال38 سنة لم ترد أيضاً في أى إنجيل آخر ، وإقامة لعازر من الموت في " يو 11 " لم ترد أيضاً في أي إنجيل آخر --- إلى آخره --- هناك أشياء كثيرة وكثيرة . 

إذاً هناك أشياء قالها السيد المسيح لتلاميذه لم تُكتب في الأناجيل ، وأعمال عملها لم تُكتب في الأناجيل ، بل إن السيد المسيح قضى مع تلاميذه أربعين يوماً يُحدثهم عن الأمور المُختصة بملكوت الله --- 

ولكن ما هي هذه الأمور ؟! ما هو حديث المسيح ؟! لم يرد شيئاً مًطلقاً عن ذلك في الإنجيل . بل إن المسيح عندما قابل تلميذي عمواس ، يقول الكتاب : " ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يُفسر لهما الأمور المُختصة به في جميع الكتب " " لو 24 : 27 " --- ولكن ما هذا الشرح الإلهي ؟ وما هذه الأمور ؟! لسنا نعرف !! لم ترد في الإنجيل . 


التسليم الرسولي 



هذا التعليم الشفاهي الذي للسيد المسيح ، أين ذهب ؟!! هل فًقد إلى الأبد ؟! كلا بلا شك . لقد وصل إلينا على الأقل الكثير منه عن طريق التقليد --- وما الدليل على ذلك ؟ الدليل هو قول السيد المسيح لتلاميذه قبل صعوده : " اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم -- وأيضاً وعلموهم جميع ما اوصيتكم به .. للعلم كل ما أوصاهم به السيد المسيح ولم يرد في الإنجيل هذا علموه للناس . كل ما يختص بملكوت الله الذي قاله السيد المسيح لتلاميذه وصل إلى الناس عن طريق التقليد . ولعل من الأمثلة الجميلة لهذا الأمر قول القديس بولس الرسول في حديثه عن سر الإفخارستيا : " لأنني تسلمت من الرب ما سلمتكم أيضاً " " 1 كو 11 : 23 " . 

ما تسلمه الرسل سلموه للآباء الأساقفة المُعاصرين لهم ، وسلموه للجيل كله . وتتابع التسليم كما يقول بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس في " 2 تي 2 : 2 " " وما سمعته منى بشهود كثيرين ، أودعه أناس أُمناء ، يكونون أكفاء أن يُعلموا آخرين أيضاً . يعني بولس يسلم تيموثاوس ، تيموثاوس يُسلم أناس أكفاء ، وناس أكفاء يسلمو لغيرهم ، ويتابع التسليم .  

السيد المسيح لم يُقدم كتاباً للناس ، إنما قدم روحاً ، تعليماً ---- 

الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة ---- تحول كلامه إلى حياة في الكنيسة ، وهذه الحياة انتقلت من جيل إلى جيل حتى وصلت إلينا . 

أودعهم السيد المسيح في قلوب تلاميذه وآذانهم  و أذهانهم ، ومن كنز قلوبهم الصالح ، من ذاكرتهم المُقدسة أخرجوا أقوال المسيح وسلموها للكنيسة ، وأودعت في الكنيسة فيما يُسمى " التقليد " أو " التسليم الرسولي " . 

هذا التسليم الرسولي ليس هو مجرد تعليم الكنيسة ولا فكرها ، إنما هو كلام السيد المسيح المحفوظ في الكنيسة . إلا طبعاً الأشياء الجديدة التي احتاجت إلى تشريع في ضوء تعليم المسيح . 

وهنا نحب أن نقول ملاحظة بسيطة ، وهي أن أول إنجيل من الأناجيل الأربعة كُتب كان بعد قيامة السيد المسيح بسنوات طويلة ! فكيف عاشت الكنيسة خلال تلك الفترات . لم يكن هناك إنجيل كُتب ، إنما كان هناك التقليد ، الذي كان مسلم شفهياً ، هذا التقليد هو التقليد الرسولي ، وكان هذا وقتها يكفي --- بل أُريد أن أقول لكم أكثر من هذا أن كلمة الإنجيل أول ما عُرفت في الكتاب المقدس كانت تعني الكرازة الشفهية وليست الكرازة المكتوبة ، والدليل على ما قيل في إنجيل مُعلمنا مرقس الرسول " مر 1 : 14 ، 15 " يقول :" وبعد ما أُسلم يوحنا جاء يسوع إلى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله ، ويقول : قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله ، فتوبوا وآمنوا بالإنجيل ". السيد المسيح يقول ذلك : " توبوا وآمنوا بالإنجيل " " مر 1 : 15 " . ولم يكن وجد إنجيل ، لكن كان هذا التعليم الشفاهي هو الموجود والمقصود به الإنجيل . 

وكما بدأت كرازة السيد المسيح بالحديث عن هذا الإنجيل الشفاهي ، انتهت هكذا قبل صعوده بنفس الكلام في " مر 16 : 15 " . حيق قال السيد المسيح للتلاميذ :" اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كُلها --- اكرزوا بالإنجيل للخليقة كُلها --- ولم يكن هناك إنجيل مكتوب ، وإنما كان يُقصد بالإنجيل الكرازة الشفهية . 

السيد المسيح أودع تعاليمه في أذهان التلاميذ ولما صعد إلى السموات أرسل لهم الروح القدس وقال لهم عن الروح القدس ، ويذكركم بكل ما قلته لكم " يو 14 : 26 " ، حتى أن الكلام الذي يكتبونه يكون هو ما يُذكركم به الروح ---- 

  • ونلاحظ أيضاً ، تأكيداً ، قول السيد المسيح في " مر 8 : 35 " " من أراد أن يُخلص نفسه يُهلكها ، وأيضاً : " ومن يهلك نفسه من أجلى ومن أجل الإنجيل فهو يُخلصها ---- طبعاً في ذلك الوقت لم يكن هناك إنجيل مكتوب ، فكل الأناجيل كتبها الرسل بعد قيامة المسيح بسنوات عديدة جداً . فالمقصود بـ الإنجيل البشارة المُفرحة --- الكرازة الشفهية --- وهذا الإنجيل الشفاهي الذي عُرف قبل الإنجيل المكتوب --- ورد لنا في التقليد . وعندما نتكلم إذاً عن هذا التقليد الرسولي لا نقصد مًجرد تعليم الرسل ، مع أن لهم سلطان التعليم ، ولكن نقصد الكلام الذي أخذوه من المسيح وسلموه للناس . والتقليد الرسولي لم يكن فقط التعاليم التي تركها لنا الرسل ، إنما كان أيضاً الممارسات الكنسية التي سلمها الرسل للكنيسة عملياً وعاشتها الكنيسة وسلمتها للأجيال دون أن يكتبها الرسل في كتاب أو رسالة ، وإنما سلموها شفاهاً ومارستها الكنيسة عملياً ، مثل : القداسات ، العماد ، كل طقوس الكنيسة ، كل أسرارها . هذه الأمور عاشتها الكنيسة وسلمها جيل إلى جيل بالممارسة والتعليم معاً --- 

  • إذا كل الكلام الذي قاله السيد المسيح للرسل مارسوه فتحول إلى حياة وانتقلت هذه الحياة من جيل إلى جيل ------ 

  • لا يقل أحد أُريد نصاً كتابياً ، المسيحية ليست مُجرد نصوص ، إنما هي حياة . هذه الحياة انتقلت من جيل إلى جيل . 

  • انظروا إلى عبارة لطيفة تدل أيضاً على معنى الإنجيل في ذلك الزمان --- في قصة المرأة التي سكبت قارورة الطيب على السيد المسيح في بيت عنيا في بيت سمعان الأبرص -- كما وردت في " مت 26 : 13 " ، قال لهم :" الحق أقول لكم : حيثما يُكرز بهذا الإنجيل -- في كل العالم ، يُخبر أيضاً بما فعلته هذه تذكاراً لها . وطبعاً كان يُقصد بالإنجيل تعاليمه غير المكتوبة ، لإنه لم يكن كتب أي إنجيل في ذلك الوقت ، وعلينا أن نعرف أن تعليم المسيح كله الذي سلمه للتلاميذ من الصعب أن نقول إنه اندثر وضاع ، وإنما علمه التلاميذ للناس طبقاً لوصية المسيح : " وعلموهم جميع ما اوصيتكم به " . 

  • إذا تعليم الرسل هو ما أوصى به المسيح ، هو الإنجيل الشفاهي غير المكتوب . 

  • لاشك أن كثيراً من الناس في العصر الرسولي آمنوا بالمسيحية وعاشوا في تعاليمها ، وربما استُشهدوا من أجلها دون أن يقرأوا إنجيلاً واحداً --- مثال هؤلاء القديس إسطفانوس رئيس الشمامسة --- لم يكن في أيامه أناجيل مكتوبة --- وأيضاً نُذكر في تاريخ المسيحية الأولى أن القديس اسطفانوس رئيس الشمامسة استشهد قبل أن يرى أي إنجيل من الأناجيل الأربعة ، وكذلك يعقوب بن زبدي أحد الإثنا عشر تلميذ الذي

  • قتله هيرودس استشهد قبل أن يرى أي إنجيل من الأناجيل الأربعة الموجودة . 


    • ليس الموضوع إذاً نص من الإنجيل ، إنما حياة ، عاشها الرسل وسلموها للأجيال ----- 

      وأيضاً إن تعليم المسيح لم تُكتب كلها ولا كُتب أي شيء منها في حياته على الأرض بالجسد ، كذلك أقول أن تعاليم الرسل حتى الإثنا عشر لم تُكتب كلها ، بل أن كثيراً من الرسل لم يكتب أناجيل ولا رسائل ، فأين تعليم أندراوس ، وتوما ، ونثنائيل ، ومتياس ، ويعقوب الكبير ، وغيرهم ؟ أين تعاليم كل هؤلاء ؟ لم يكتب لنا تعليم منهم --- يهوذا الرسول أحد الاثنا عشر غير الإسخريوطي لم يكتب غير اصحاح واحد " الرسالة من اصحاح واحد " ، وبالطبع لا يمكن أن يكون هذا كل تعاليم يهوذا --- بطرس الرسول لم يصل لنا من تعاليمه غير الرسالتين وبعض العظات في سفر الأعمال ، أين باقي تعليمه الذي استمر من سنة 34 حتى 67 ، أي 33 سنة ؟ ماذا قال فيهم بطرس ؟ لا نعرف تعليم الرسل هذا مكتوباً ، لكنه وصل إلينا عن طريق التقليد . 

      بولس الرسول نفسه مع أنه أكثر من كتب من الرسل يقول أنه صعد إلى أورشليم وقابل أعمدة الكنيسة يعقوب وبطرس ويوحنا في " غلا 2 : 1 --2 " ، يقول : " وإنما صعدت بموجب إعلان ، وعرضت عليهم الإنجيل الذي أكرز به  " ---- عرضت عليهم الإنجيل الذي أكرز به ---! هل هناك إنجيل كتبه بولس ؟ كلمة إنجيل هنا تعني الكرازة الشفهية بنفس المعنى الذي قلناه من قبل . 

      وفي نفس الرسالة في " غلا 1 : 11 ، 12 " يقول بولس الرسول : " واعرفكم أيها الإخوة الإنجيل الذي بشرت به ، أنه ليس بحسب إنسان --- ولا علمته . بل بإعلان يسوع المسيح ، ولا يوجد عندنا شيء اسمه إنجيل بولس لكن هذا هو التعليم الكرازي الشفهي --- 

      ويتحدث بولس عن إنجيله أيضاً في " رو 2 : 16 " طبعاً يقصد الإنجيل الشفاهي . كان الرسل يبشرون ويملأون الدنيا بكلام التعليم والكرازة ، ولم يصل إلينا كل كلامهم بل جزء ضئيل جداً جداً من كلامهم --- نشكر الرب على ما كتبوه . 

      كانوا يدخلون إلى المجامع ويُحاججون الناس ، ولم يصل إلينا شيء من هذا . بشروا أورشليم واليهودية والسامرة حتى آمن الكل ، ولم تصل إلينا إلا كلمات قليلة من ذلك . 

      بل بولس الرسول الذي كتب أكثر من غيره 14 رسالة قيل أنه استأجر بيتاً في روما --- وأقام فيه كارزاً بملكوت الله ومُعلماً بكل مُجاهرة في " أع 28 : 30 ، 31 " ، ولم يصل إلينا شيء من هذا كله --- ظل سنتين في البيت يكرز ولا نعرف شيئاً عنهما --- 

      أين ذهب تعليم الرسل هل فنى واندثر وضاع ؟ غير معقول --- إنما وصل إلينا الكثير منه عن طريق التقليد --- وهل حقاً أن الإنجيل الذي وصل إلينا هو كل كلام المسيح وغير ذلك نُعاديه ؟! 

      انظروا أيضاً يوحنا الرسول يقول في آخر رسالته الثانية : " إذ كان لي كثير لأكتب إليكم ، لم أرد أن يكون بورق وحبر ، لأني أرجو أن آتي إليكم وأتكلم فماً لفم " ، ونفس الكلام كرره في آخر رسالته الثالثة أيضاً ، قال لهم :" ولكنني أرجو أن أراك عن قريب بنتكلم فماً لفم " . هذا الكلام " فماً لفم " لم يصل إلينا مكتوباً طبعاً ، وهذا يدل على أن الرسل كانوا يفضلون الكلام أكثر من الكتابة ، ونفس الوضع قاله بولس الرسول في رسالته إلى أهل كورنثوس الأولى " 1 كو 11 : 34 " : " وأما الأمور الباقية فعندما أجيء أرتبها " ، ولم يُذكر هذا الترتيب الرسولي الذي لم يصل إلينا مكتوباً ، ولعله أيضاً وصل بالتقليد . 

      التقليد منذ العهد القديم 

      نفس الكلام أيضاً ممكن أن نقوله بالنسبة إلى العهد القديم ، كيف عاش الناس في العهد القديم آلاف السنين قبل أن توجد شريعة مكتوبة ؟! هذه حقيقة -- أقدم شريعة كُتبت للناس هي أسفار موسى الخمسة . " أسفار موسى الخمسة : التكوين ، والخروج ، واللاويين ، والعدد ، والتثنية " . هذه الأسفار كُتبت ما بين 1500 ، 1400 قبل الميلاد زمن حياة موسى . وآلاف السنين التي قبل هذا ، كيف كان الناس يعيشون ؟ لم يعيشوا بشريعة مكتوبة ، إنما عاشوا بالتقليد --- وصايا الله يُسلمها جيل بعد جيل . 


      مثال : ورد في الكتاب المقدس عن هابيل البار ، أنه قدم لله مُحرقة من أبكار غنمه ومن سِمانها ، وشرح بولس الرسول هذا الأمر بقوله : " بالإيمان قدم هابيل لله ذبيحة أفضل من قايين " عب 11 : 4 " --- 

      وهنا نسأل من أين عرف هابيل فكرة الذبيحة ، وأنها من الأفضل أن تكون من أبكار الغنم ومن سمانها ؟ من أين عرف فكرة الذبيحة ولم ترد آية مُطلقاً عن تقديم الذبائح إلا بعد جاء موسى ؟ في سفر الخروج تكلًم عن ذبيحة الفصح وفي سفر اللاويين تكلًم عن الذبائح الأُخرى ، لكن أيام هابيل من أين عرف ؟ قطعاً هابيل أخذها بالتقليد عن آدم ، وآدم أخذ الفكرة من الله . 

      ونفس الكلام نقوله أيضاً عن الذبائح التي قدمها نوح وإبراهيم وإسحاق ويعقوب ولم تكن شريعة مكتوبة تتحدث عن الذبائح ، وإنما أخذوا ذلك عن التقليد . 

      بل انظروا أيضاً مسألة عجيبة جداً وجميلة أن نوح البار قدم مُحرقات للرب من الحيوانات الطاهرة والطيور الطاهرة . فمن أين عرف نوح مسألة الحيوانات الطاهرة من غيرها ، وأن الذبائح تُقدم من هذه الحيوانات الطاهرة ؟ من أين عرف ؟! طبعاً التقليد . 

      لدينا هنا بعض الأمثلة : في قصة مُقابلة أبينا إبراهيم لملكي صادق ، قيل عن ملكي صادق أنه كاهن الله العلى في " تك 14 : 18 " ، وأيضاً هنا نسأل من أين عرف هذا الكهنوت الذي أتاح لملكي صادق أن يُبارك أبانا إبراهيم " تك 14 : 20 " ، ويُعتبر ملكي صادق بهذا أكبر من إبراهيم كما ورد في " عب 7 : 6 ، 7 " ؟ 

      في ذلك الوقت لم تكن هناك شريعة مكتوبة تشرح الكهنوت وكرامته ومُباركة للآخرين وعمله في تقديم الذبائح . لا يوجد كلام عن الكهنوت . 

      شرح الكهنوت ورسامة الكهنة جاء في أيام موسى وكلامه عن رسامة هارون ونبيه وعملهم ، لكن أيام إبراهيم أب الآباء ! من أين معرفة هذا الكهنوت إلا عن طريق التقليد! 

      ونلاحظ أن في كل الإصحاحات السابقة ، قبل مقابلة ملكي صادق وإبراهيم ، لم ترد مُطلقاً كلمة كاهن ولا كلمة كهنوت -- هذه نقطة تثبت التقليد . وفي ذلك الحين كان رب الأسرة هو كاهن الأسرة ، وهو يُقدم عنها الذبائح ، كما في عهد الآباء الأول رؤساء الآباء الذين نسميهم الآباء البطاركة ، مثل نوح وإبراهيم وأيوب إلى آخره . 

      في قصة ملكي صادق وإبراهيم نلاحظ شيئاً آخر ، نلاحظ أن نسأل من أين عُرف تقديم العشور للكهنة ؟ في وقت أبينا إبراهيم لا يمكن إلا عن طريق التقليد ، في شريعة العشور لم تكن قد عُرفت بعد ولا وردت في شريعة مكتوبة . 

      لعل تقديم العشور الذي قام به أبونا أبرام أب الآباء كان من مصادر التقليد التي عرفها أبونا يعقوب أب الآباء بعد الرؤيا والسلم الواصل بين السماء والأرض -- لما قال للرب إن حفظه في الطريق ورده سالماً " وكل ما تعطيني فإني أُعشره لك " " تك 28 : 22 " -- قطعاً أبونا يعقوب تسلم شريعة العشور بالتقليد ، تسلمها عن جده أبينا إبراهيم أو عن أبيه إسحاق ، ولم يأخذها إطلاقاً من شريعة مكتوبة . كان هذا التقليد بلا شك مُعلماً للبشرية قبل الشريعة المكتوبة . 

      نقطة أخرى --- قال بولس الرسول لتلميذه تيطس أسقف كريت :" من أجل هذا تركتك في كريت لكي تُكمل ترتيب الأمور الناقصة ، وتُقيم في كل مدينة شيوخاً كما أوصيتك " " تى 1 : 5 " . ولم يشرح له كتابة طريقة إقامة القسوس هذه ، كبف يُقيمهم ؟ كيف يرسم الكاهن ؟ لكنه أجملها في عبارة : " كما أوصيتك ". وكما أوصيتك هذه ذُكرت شفاها ، ولم تُكتب . وأخذ أسقف كريت تيطس طريقة إقامة القسوس عن طريق التقليد . 

      وأيضاً كما قال بولس الرسول أيضاً لتلميذه تيموثاوس : " وما سمعته منى بشهود كثيرين ، أودعه أناساً أُمناء ، يكونون أكفاء أن يُعلموا آخرين " " 2 تي 2 : 2 " . ولم يذكر ما هذا الذي سمعه منه أو تعلمه منه أو تسلمه منه ، لم يذكر في الرسالة ، وإنما هذا الذي أخذه من بولس أودعه أناساً أُمناء .

    • هناك أيضاً 

    • ست مراحل لنقل التقليد الإنجيلي منذ وقت الرب يسوع وحتى وقتنا الحاضر .

    • المرحلة الأولى : الرب يسوع في التاريخ 

    • الرب يسوع يقول ويفعل أموراً تُعتبر غير عادية 

    • المرحلة الثانية : التقليد المبكر " شفهي ، أو كتابي ، أحدهما أو كلاهما "

    • شفهي : يتذكر المسيحيون ما قاله وما فعله الرب يسوع ، ويشاركون هذه الذكريات مع آخرين .

    • كتابي : يكتب التلاميذ مُلخص الأمور التي قالها وفعلها الرب يسوع .

    • المرحلة الثالثة : كتابة الأناجيل 

    • قام كُتاب الأناجيل بتجميع أسفارهم معتمدين على كلا التقليدين الشفهي ، والمصادر الأولى المكتوبة لسرد أحداث حياة الرب يسوع وأعماله .

    • المرحلة الرابعة : حفظ المخطوطات 

    • ينسخ المؤمنون قصص الأناجيل ويوزعونها .

    • المرحلة الخامسة : الترجمة 

    • قام علماء الكتاب بترجمة نسخ من الأناجيل إلى لغات أخرى وصولاً إلى اللغة التي تقرأ بها الكتاب الذي بين يديك الآن .

    • المرحلة السادسة : الأستقبال

    • نسمع أو نقرأ عن أقوال الرب يسوع وأفعاله في النسخ المعاصرة من الأناجيل . 


التقليد المقدس
Imane Alfonse Ghalii

Comments

No comments

    google-playkhamsatmostaqltradent